ركعات بين الركام: غزة تصلي وسط أنقاض مسجد خان يونس

عدن الأمل / الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب
على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس جنوبي قطاع غزة، اصطف الفلسطينيون في صفوف طويلة، متشابكة الأرواح، متحدة القلوب، يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في شهرهم المبارك.
لم تكن هناك مآذن تنادي للصلاة، ولا سجاد مفروش، ولا مصابيح تضيء المكان، بل كان هناك ركام، وأحجار متناثرة، وأعمدة سقطت لكنها لم تسقط معها العزيمة.
في هذا المكان الذي كان يومًا منارة للذكر والعبادة، باتت الحجارة الشاهدة الوحيدة على ما تبقى من المسجد، لكنها لم تمنع أهله من العودة إليه.
حملوا مصاحفهم، وأقاموا صلاتهم، ورفعوا أيديهم بالدعاء، وكأن الركام أصبح محرابًا، والسماء سقفًا، والدموع ماءً طهورًا يغسل جراح المدينة المنكوبة.
لم يكن المشهد عاديًا، ولم يكن الألم عابرًا هنا، كان المصلون يقفون فوق ما تبقى من ذكريات، يركعون فوق بقايا الجدران، ويسجدون على حجارة قد تكون اختلطت بدماء من استشهدوا في هذا المكان.
ومع كل تكبيرة، كانت أصوات القصف الماضية تتلاشى، لتحل مكانها أصوات الدعاء والرجاء، كأنهم يقولون للعالم: قد تهدمون المساجد، لكنكم لن تهدموا الإيمان.
في غزة، المساجد لا تُبنى فقط بالإسمنت، بل تُشيَّد بالعقيدة والصبر، وإن هُدمت فلن تُهدم الروح التي تصلي فيها.
ففي ليلة رمضانية كهذه، لم يكن الفلسطينيون بحاجة إلى جدران، بل إلى يقين بأن الله يسمع دعاءهم، وأن الركام الذي يصلون عليه اليوم، سيكون غدًا شاهدًا على نصر قادم.
تحت سماء غزة، حيث لا يزال الأذان يرفع ولو بدون مآذن، وحيث الصلاة تقام ولو على الأنقاض، يبقى صوت الإيمان أقوى من دوي الصواريخ، ويبقى الأمل حيًا، رغم كل الدمار.