وطنٌي يناديني… فهل أصمّ أذني عن صوته؟

الناشط الحقوقي أسعد ابو الخطاب
في الأمس، وبعد أن نشرت حالة بسيطة على تطبيق “الواتساب”، وكلمات موجعة على عن انتفاضة 17 مايو 2025م، التي تقام في العاصمة عدن – خور مكسر – ساحة العروض،
انهالت الرسائل والاتصالات… أسعد، لمَ تعيد ذات المسار؟
لمَ تضع نفسك في وجه الرصاص مرة أخرى؟
صديق قالها لي بصوت فيه حرقة:
يا أبو الخطاب، ألم يكفك ما مضى؟
شاركت، جرحت مرتين، وتم تجاهلك مرارًا.. الذين بقوا في بيوتهم استلموا المناصب، وأنت لم تحصل حتى على منحة علاجية!
قلت له:
نعم، لم أحصل على شيء… لكني لم أخرج لأحصل على شيء، بل خرجت لأن وطني الجنوبي يتألم، وأنا أشعر بألمه.
أتعلمون ما معنى أن تكون في وطنك، وتُعامل كأنك لا تنتمي إليه؟
أن تُستبدل باسم شخص لم يطلق رصاصة، ولم يهتف في ساحة، ولم يُسعف جريحًا؟
أن تُكافأ بالصمت… وتُحاسب على حبك لوطنك؟
أنا لا أنتمي للواقعية المسمومة التي تقول: اجلس في بيتك حتى يُنادوك.. أنا أنتمي لفلسفة الثائر الذي لا يفاوض على وجعه، ولا يساوم على وطنه.
قال لي أحدهم:
لو نجحت الانتفاضة، سيتم تهميشك كما حدث سابقًا.
فقلت:
ربما، لكنني إن بقيت صامتًا، سأكون خائنًا لنفسي قبل وطني.. قبل أيام، خرجت نساء من العاصمة عدن في مسيرة حاشدة يهتفن:
فين رجال العاصمة عدن… فين رجال الجنوب؟
لم أستطع النوم تلك الليلة..
تخيلت ابني، أخي، طفلًا من جيراننا، يسألني يومًا:
أين كنت يا أبي، يوم خرجت النساء تطالب بإسقاط حكومة المعاشيق والمجلس الرئاسي؟
هل أجيبه:
1- كنت خائفًا؟
2- كنت أنتظر منصبًا؟
3- كنت أتفاوض على منحة علاجية؟
لا يا بني… سأقول لك:
كنت في الشارع، مع الأحرار، رغم كل من خذلني، ورغم كل من باعنا بثمن بخس.
أعلم أن البعض ينظر إليّ كمجنون.
قال لي أحدهم:
اكتب وصيتك، يا أسعد أبو الخطاب، فأنت لا تفهم أين مصلحتك!
قلت له:
كتبتها منذ زمن، ووضعت فيها جملة واحدة:
“سامحني يا وطني إن قصّرت، لكني حاولت”.
في زمن تُشترى فيه المواقف، ويُباع فيه الصوت، نحن نحاول أن نكون الصدى الذي لا يموت.. نحن لا نخاف الموت، بل نخاف أن نحيا بلا كرامة.. لا نطمح في منصب، بل في وطن لا يُساوي بين القاتل والمُجروح، لا يُكافئ الصامت ويُهمّش من دافع.
في 17 مايو، سأكون هناك، في ساحة العروض، لا ببدلة رسمية، ولا بطاقة مسؤول، بل بقلبي، وجراحي، وصوتي الذي لم ينكسر.
ولمن يسألني: لماذا تخرج؟
أجيبه:
لأني ما زلت أحلم… وما زلت أؤمن أن جنوبًا بلا كرامة، ليس جنوبًا.