من الإمامة الى الحوثية اليمن بين ثورتين لم تكتمل

ناصر العامري
في لحظة فارقة من تاريخ اليمن اندلعت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 معلنة نهاية الحكم الإمامي وبداية عهد الجمهورية لم تكن تلك الثورة مجرد حدث سياسي عابر بل كانت تعبيرا عميقا عن توق اليمنيين إلى التحرر من الاستبداد والانعتاق من الجهل وبناء دولة حديثة قائمة على العدالة والمواطنة واليوم وبعد أكثر من ستة عقود لا تزال تلك الثورة حاضرة في وجدان اليمنيين ليس فقط كشعار بل كحالة نضالية مستمرة تتجلى في تفاصيل الواقع المعاش.
إن القول بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر هي امتداد للواقع اليوم ليس مجازا بل توصيفا دقيقا لحالة وطن لم تكتمل فيه شروط التحول فالأهداف الستة التي رفعتها الثورة من القضاء على الاستبداد والجهل إلى بناء جيش وطني وحياة ديمقراطية لا تزال معلقة بين الطموح والخذلان لم تتحقق العدالة الاجتماعية ولم تبن مؤسسات الدولة على أسس مدنية بل ظل اليمن يعيش في دوامة من الصراعات تتجدد بتجدد غياب الرؤية الجامعة.
من أبرز الإشكاليات التي واجهت الثورة والتي لا تزال تلقي بظلالها على الحاضر هو غياب تصور واضح لطبيعة الدولة المنشودة فقد دخلت القوى الثورية في صراعات داخلية بين تيارات وطنية وقبلية ودينية ما أدى إلى تشظي المشروع الجمهوري واليوم تتكرر ذات الانقسامات حيث تتعدد المرجعيات وتتناقض الرؤى حول شكل الحكم وهوية الدولة وموقع المواطن فيها.
الثورة لم تنته بل تحولت إلى حالة مستمرة من النضال فاليمنيون في مختلف مناطقهم لا يزالون يطالبون بما طالب به آباؤهم في سبتمبر الحرية والكرامة والمشاركة السياسية لكنهم يصطدمون بواقع مأزوم تحكمه مراكز نفوذ وتغيب فيه مؤسسات العدالة وتهمش فيه الكفاءات لصالح الولاءات.
ما يجعل من ثورة سبتمبر حدثا متجددا هو بعدها الإنساني والوطني فهي ليست فقط لحظة إسقاط نظام بل لحظة ولادة حلم حلم الدولة التي تحتضن جميع أبنائها وتمنحهم فرصا متكافئة وتعلي من شأن القانون والمؤسسات هذا الحلم لا يزال حيا رغم كل العثرات ويظهر في أصوات الشباب وفي المبادرات المجتمعية وفي مقاومة الاستبداد بكل أشكاله.
ربما آن الأوان لإعادة قراءة ثورة سبتمبر ليس كحدث تاريخي بل كنص مفتوح على التأويل نص يكتب من جديد في كل لحظة نضال وكل موقف مقاومة وكل فكرة تؤمن بأن اليمن يستحق الأفضل فالثورة ليست في الماضي بل في الحاضر الذي نعيشه وفي المستقبل الذي نصنعه.
ونحن اليوم ما نزال نواجه الميليشيات الحوثية التي تمثل امتدادا للحكم الكهنوتي الذي أطاحت به ثورة سبتمبر فالميليشيا التي سيطرت على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م٬ أعادت إنتاج النموذج الإمامي من خلال سلطة دينية مغلقة تحكم باسم الحق الإلهي وتقصي الشعب من المشاركة السياسية والحقوق المدنية وتفرض تأويلات مذهبية على المجتمع وتخضعه لقوانينها الخاصة بعيدا عن مؤسسات الدولة المدنية.
الواقع الذي نعيشه اليوم من قمع الحريات وتجنيد الأطفال وتفخيخ التعليم وتسييس القضاء ليس سوى انعكاس لنمط حكم يعيد إنتاج الاستبداد بثوب جديد لذلك فإن مقاومة هذا المشروع ليست فقط معركة سياسية أو عسكرية بل هي استمرار لمعركة سبتمبر التحررية التي أرادت لليمن أن يكون وطنا لكل أبنائه لا مزرعة لفئة أو سلالة.