نحو ميثاق جنوبي: لماذا تتكرر أخطاء الماضي؟

محمد عبدالله رويس
بعد عقد من الزمن على انطلاق عاصفة الحزم، التي مثلت نقطة تحول في مسار الثورة الجنوبية وتحولها من الحراك السلمي إلى الكفاح المسلح، لا يزال المشهد الجنوبي يراوح مكانه، حاملاً نفس الشعارات التي رُفعت منذ سنوات دون مراجعة حقيقية أو تقييم للنتائج.
“المشكلة الأساسية”
تكمن المشكلة الأساسية في غياب ميثاق وطني جنوبي واضح من قبل القيادة السياسية. ميثاق يُحدد الأهداف بدقة (استعادة الدولة، الفيدرالية، أو الحكم الذاتي) ويرتب أولوياتها، ويهيئ الشعب لقبول الحلول الواقعية التي تتناسب مع معطيات المرحلة.
“تكرار أخطاء الماضي”
الأخطر من غياب الميثاق هو تكرار أخطاء الماضي دون وعي. فالدعوة إلى “استعادة دولة ما قبل 1990” تفتقر إلى المراجعة النقدية لهزيمة 1994. حينها، لم تكن الهزيمة بسبب نقص السلاح فقط، بل بسبب نقص العنصر البشري المؤمن بالقضية، في مقابل حشد شمالي استخدم خطاباً دينياً وأيديولوجياً فعالاً ضد الجنوب.
فلماذا تخلى الشعب عن اللحاق بالمعركة ورأى أنها لا تعنيه ولا تخصه؟ الإجابة على هذا السؤال لا تعني أن الشعب لا يحمل ولاءً أو انتماءً للوطن أو للتضحية من أجله، بل لغياب الثقة وفقدانها بين الحاكم والشعب.
“الإرث القمعي وانعكاساته”.
شكّل الإرث القمعي، إلى جانب الانقسامات والصراعات الداخلية وتداعياتها والضعف الاقتصادي، عواملَ مجتمعةً دفعت الشعب إلى اعتبار الوحدة اليمنية مخرجاً وحيداً وأملاً لتحقيق طموحاته الوطنية والشخصية. هذه العوامل نفسها هي التي أثرت بشكل مباشر على قرار الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب بعدم المشاركة في الحرب أو الدفاع عن الوطن، حيث غرِق المجتمع في حالة من اليأس والإحباط، ورأى أن الحرب ليست حربه ولا تعنيه بأي شكل، أو أنها معركة خاسرة لا محالة.
هذا الواقع المرير خلَق فجوةً عميقة بين الشعب والقيادة، وساهم في ترسيخ حالة من انعدام الثقة التي لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم، مما يستدعي تأملاً جريئاً ومراجعة شاملة لهذه المرحلة التاريخية الحرجة
“ثمن الهزيمة الباهظ”
دفع الشعب ثمناً باهظاً للهزيمة تمثل في التسريح القسري لأكثر من مئتي ألف موظف مدني وعسكري، وتدمير المؤسسات والشركات والإرث الأرشيفي المتعلق بالدولة الجنوبية، كل هذه تأتي في سياق متصل يقوم على إلى الإقصاء والتهميش للجنوب والهيمنة الشمالية
“”عودة الأسباب ذاتها”
نشاهد اليوم أن نفس الأسباب تعود إلى الواجهة، فالشعب يعاني من أزمات معيشية وخدمية خانقة، وحصار شامل، وسياسة تجويع ممنهجة. هذه العوامل مجتمعة أثرت سلباً على آمال وتطلعات إقامة دولة جنوبية مستقلة قادرة على إنهاء المعاناة التي يعيشها المواطن يومياً. وفي ظل هذه الظروف، يضطر للقبول بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية، في مقابل التخلي التدريجي عن أهداف الثورة الجنوبية وآمال الانفصال او استعادة الدولة.
“تحذير من الخطر القادم”
إن رفع سقف المطالب الشعبية دون خطة استراتيجية واضحة، واللجوء إلى إجراءات أحادية، سيؤدي حتماً إلى خيبات أمل جديدة وفقدان متبقيات الثقة. كما أن التعويل على قيادة لم تُجدد أدواتها، ولم تراجع أخطاءها، ولم تبنِ إجماعاً داخلياً حقيقياً، هو ضربٌ من التمني.
فهل حان الأوان للقيام بمراجعة جريئة للتاريخ، ووضع استراتيجية واقعية قائمة على درس الماضي، وبناء مشروع مستقبلي يحظى بإجماع داخلي حقيقي.
أن الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير الجنوب في السنوات القادمة
محمد عبدالـلــه رويـس



