صرخة إنذار: حضرموت للسلام… لا لعسكرة المدن

ليلى بن بريك

ليست السلطة التنفيذية مجرد هياكل تُرفع عليها لافتات الدولة؛ بل هي نظام سياسي وقانوني واجتماعي وُجد ليحمي كيان الدولة ويحفظ مؤسساتها المدنية والأمنية، ويضمن استقرار المجتمع داخل حدوده. وحين نُعرِّف السلطة فإننا نُعرِّف معنى الدولة نفسها: انضباط، مسؤولية، وشرعية تنبع من الالتزام بالقانون لا من قوة السلاح.

غير أنّ ما يجري اليوم في حضرموت يثير القلق ويستدعي صرخة إنذار وطنية.
فمشاهد التحشيد العسكري خارج مؤسسات الدولة، وجلب تشكيلات لا تخضع لسلطتها ولا ترتبط بشرعيتها، تمثل انحرافاً خطيراً عن مفهوم الدولة المدنية المستقرة التي عُرفت بها حضرموت عبر تاريخها.
إن أي قوة عسكرية خارج إطار الدولة، أياً كان اسمها أو غطاؤها، لا تمنح الشرعية بل تنتزعها، وتحوّل السلطة من مشروع وطني إلى أداة تهديم وتقويض.

وحين تُختزل السلطة التنفيذية في غياب المسؤولية، فهي تفقد معناها السياسي، وتتلاشى قيمتها، وتتحول من رعاية المجتمع إلى تشكيلات تتناحر على النفوذ والامتيازات. وما نراه اليوم من تحركات مسلّحة، وحشد مدجج بلا قانون ولا نظام، يُعدّ تعدياً صريحاً على الأمن والاستقرار، ومحاولة للتحكم بمصائر الناس عبر السلاح لا عبر الشرعية.

إن حضرموت المدنية الآمنة ليست بحاجة إلى مشاريع هدامة تأتي من خارج مؤسسات الدولة، ولا إلى عسكرة شوارعها، ولا إلى تحويل ثرواتها إلى غنيمة تُنهب وأراضيها إلى ملكيةٍ يُستباح لها. فهذه الممارسات تفقد السلطة مشروعيتها وتحوّلها إلى أداة وصاية وتسلط لا علاقة لها بإرادة الناس ولا بطموحاتهم.

حضرموت — هذا الإقليم العريق — تحتاج اليوم إلى سلام، بناء، وتنمية مستدامة، لا إلى سباق على السلطة ولا إلى هوس النفوذ.
تحتاج إلى مدنية حقيقية، وكفاءة تقود، وخبرة تدير، ونزاهة تحفظ الوطن، ومسؤولية تحمي كل شبر من أرضها.

حضرموت كانت وستظل تحترم حق الجوار وتؤمّن حدودها، وفي مقدمة ذلك العلاقة التاريخية العميقة مع المملكة العربية السعودية، علاقة تمتد لمئات السنين وتقوم على الاحترام والمصير المشترك.
ووفق هذا الإرث، فإن حضرموت لن تقبل إلا دولة عادلة، تحفظ أمنها، وتضمن استقرارها، وتصون حقوق أهلها، وتواجه مشاريع العسكرة بكل حكمة وقوة.

في النهاية…
حضرموت للسلام، لا للفوضى.
حضرموت للمدنية، لا للمليشيات.
حضرموت للشرعية والمسؤولية قبل كل شيء.

مقالات ذات صلة

آخر الأخبار